عرفت العلاقة بين المواطنين والإدارة المغربية في الآونة الأخيرة سلوكيات أثرت على ثقة المواطنين بهذه الإدارة، حيث كانت عدة سلوكيات من طرف الإدارة تؤثر على هذه الثقة، حيث البطء غير المبرر في تسليم القرارات والرخص الإدارية، ورفض تسليم الإشعار بالتوصل عند إيداع الطلبات من طرف المواطنين/ المرتفقين، وكذا اعتماد بعض الإدارات على الوسائل التقليدية للعمل، خاصة الجماعات الترابية، أضف إلى ذلك كله غياب التواصل بين الإدارات والمرتفقين.
من أجل وضع حد لهذه الممارسات السلبية للإدارة، سارعت الحكومة لسن إطار قانوني لاستعادة الثقة بين المواطن/المرتفق والإدارة، وذلك بعد دعوة عاهل البلاد الملك محمد السادس في خطابه سنة 2019 إلى ”تحسين جودة الخدمات الإدارية المقدمة من طرف مؤسسات الدولة لفائدة المواطنين.”
بدأت المفاوضات بشأن القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية منذ سنة 2019، حيث تم إعداد مسودته من طرف وزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، وتم إحالته للبرلمان بغرفتيه الذي صادق عليه في يناير 2020 وتم نشره بالجريدة الرسمية عدد 6866 بتاريخ 19 مارس 2020. ثم بعد ذلك نُشر نص تنظيمي واحد لهذا القانون وهو المرسوم رقم 2.20.660 المتعلق بتطبيق مقتضيات القانون رقم 55.19، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 6919 بتاريخ 21 شتنبر 2020.
دخل القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية حيز التطبيق في الفاتح من أبريل 2021، ويعتبر هذاالقانون الإطار العام المنظم للعلاقة بين المواطنين المغاربة والإدارات التابعة للدولة أو الإدارات المسيرة للمرافق العامة، وذلك لوضع حد لعلاقة عدم الثقة التي سادت بين المرتفقين والإدارة.
اقرأ أيضا: كل ما يجب معرفته عن المساهمة المهنية الموحدة CPU
وضع القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية قواعد جديدة للعلاقة الرابطة بين الإدارة والمواطنين وحدد مبادئ عامة لتنظيم هذه العلاقة.
القواعد العامة للعلاقة بين المرتفق والإدارة
أرسى القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية قواعد جديدة من أجل وضع حد لمجموعة من الممارسات السلبية للإدارة، حيث أقرَّ الفصل الثالث من هذا القانون على أنه لا يمكن للإدارة أن تطالب المرتفقين إلا بالقرارات الإدارية والوثائق والمستندات التي تنص عليها النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، ليقطع المشرع بذلك مع بعض الوثائق التي تطلبها الإدارات المغربية من المواطنين لتسليم رخصة أو شهادة ما، بالرغم ممن عدم الزاميتها قانونا أو تمَّ إقرارها بواسطة مناشير أو قرارات إدارية داخلية.
كما يجب أن تكون هذه المستندات والوثائق التي تطلبها الإدارة، موضوع جرد ونشر على البوابة الوطنية للمساطر والإجراءات الإدارية والتي تشكل المرجع الرسمي الوحيد للمساطر الإدارية والوثائق المطلوبة للحصول على القرارات الإدارية.
كما اعتبر القانون 55.19 أنه لا يجوز للإدارة مطالبة المرتفق بوثائق أو مستندات إدارية تدخل ضمن اختصاصاتها، أو التي يمكنها الحصول عليها من إدارات أخرى، كما يحدث مثلا عندما تطلب إدارة الإدلاء بنسخة من الجريدة الرسمية لتطبيق نص قانوني أو تنظيمي، مع أنه يمكنها الحصول عليها من المطبعة الرسمية للمملكة.
المبادئ العامة لتنظيم العلاقة بين المرتفق والإدارة
وضعت المادة الرابعة من القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية المبادئ الجديدة للعلاقة التي تجمع الإدارية بالمرتفق وحددتها في عدة مبادئ.
مبدأ الثقة بين المرتفق والإدارة
حيث يمكن للإدارة طبقا لهذا المبدأ الاستغناء عن طلب بعض الوثائق والمستندات، والإكتفاء بتصريح بالشرف من طرف المرتفق للحصول على قرار أو ترخيص إداري، كما هو الشأن عند إيداع التقرير بضريبة الأرباح العقارية ولا تعرف قيمة العقار أثناء تملكه من طرف البائع، فيكتفي في هذه الحالة بتصريح بالشرف يصرح فيه بقيمة العقار المُفَوت أثناء تملكه.
اقرأ أيضا: كل ما يجب معرفته عن الضريبة على الأرباح العقارية
مبدأ تبسيط المساطر والإجراءات
طبقا لهذا المبدأ يجب على الإدارة حذف المساطر والإجراءات غير المبررة والعمل على تخفيض المصاريف والتكاليف التي يؤديها المرتفق من أجل الحصول على قرار إداري.
لا يمكن للإدارة مطالبة المرتفق بأكثر من نسخة واحدة من ملف الطلب أو مطالبته بتصحيح إمضاءه على الوثائق المكونة لملف الطلب أو مطالبته بإدلاء بمستندات متاحة للعموم ولا تعنيه شخصيا.
أرسى القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية مقتضى جديد يهم النسخ المطابقة لأصل الوثائق والمستندات، حيث ابتداء من دخول هذا القانون حيز التنفيذ، أي في فاتح أبريل 2021، لا يمكن للإدارة مطالبة المرتفق بالإدلاء بنسخ مطابقة لأصل الوثائق كالبطاقة الوطنية مثلا أو عقود الزواج لطلب شهادة أو قرار إداري.
غير أنه يجوز للإدارة في حالة الشك في مصداقية وثيقة ما أن تطلب من المرتفق الإدلاء بنسخة مطابقة للأصل من هذه الوثيقة أو بأصل الوثيقة للإطلاع عليها وذلك لمرة واحدة فقط.
مبدأ الإلتزام بحيز زمني لمعالجة الملفات
حدَّد القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية آجال قصوى من أجل دراسة الطلبات ومعالجتها والرد عليها من طرف الإدارة، وذلك بُغْية وضع حد لحالة البطء الحاد التي تعرفها مسطرة المعالجة، وقد حُدد هذا الأجل في 60 يوما كحد أقصى، كقاعدة عامة. غير أن هذا الأجل يُقلَّص إلى النصف بالنسبة للقرارات الإدارية الضرورية لإنجاز مشاريع متعلقة بالاستثمار والتي سيتم تحديدها بمرسوم تطبيقي.
يتم احتساب هذه الآجال ابتداء من تاريخ إيداع ملف الطلب كاملا من طرف المرتفق، وعند عدم إيداع الملف كاملا فإن الأجل لا يسري إلا ابتداء من تاريخ توصل الإدارة بالملف كاملا.
اقرأ أيضا: كيف تشتري عقارا بالمغرب؟
ويمكن تمديد هذه الآجال مرة واحدة عندما يتعلق الأمر بقرارات إدارية تستوجب إنجاز خبرة تقنية أو بحث عمومي كما هو الشأن في الرخص المتعلق بالمقالع مثلا.
مبدأ اعتبار سكوت الإدارة بمثابة موافقة ضمنية
بمرور أجل ستين أو ثلاثين يوما حسب الحالة، وعدم جواب الإدارة رغم توصلها بالملف كاملا، يُعتبر القرار الإداري مُسلَّما بطريقة ضمنية، غير أن المُشرع المغربي لم يعتبر ذلك مبدأً مطلقا إنما حصر ذلك في بعض القرارات التي سيتم تحديدها بنص تنظمي، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لرخصة البناء التي تعتبر مسلمة ضمنيا بعد مرور شهرين من تاريخ إيداع الطلب طبقا للمادة 48 من القانون رقم 012.90 المتعلق بالتعمير.
من أجل الحصول على القرار الضمني يجب على المرتفق أن يقوم بطلبه لدى المسؤول التسلسلي للإدارة العمومية المعنية أو المسؤول التسلسلي عن المؤسسة العمومية أو عن الشخص الإعتباري الخاضع للقانون العام أو عن الهيئة المكلفة بمهام المرفق العام المعنية بالقرار أو رئيس الجماعة الترابية المعنية أو رئيس مجموعة الجماعات الترابية أو هيئة الجماعة الترابية المعنية، الذي يجب عليه تسليم القرار الإداري موضوع الطلب داخل أجل أقصاه سبعة أيام ابتداء من تاريخ إيداع الطلب.
وإذا لم يتم تسليم القرار الإداري للمرتفق في هذا الأجل، يمكنه اللجوء، حسب الحالة، إلى:
– السلطة الحكومية المعنية بالقرارات الإدارية المسلمة على الصعيد المركزي من قبل الإدارات العمومية. ويجب أن تمنح هذه السلطة القرار الإداريي داخل أجل خمسة عشر يوما ابتداء من تاريخ عرض الأمر عليها؛
– المسؤول عن المؤسسة العمومية أو عن الشخص الإعتباري الخاضع للقانون العام أو عن الهيئة المكلفة بمهام المرفق العام المعنيين بالقرارات الإدارية، ويمنح المسؤول المعني القرار الإداري داخل أجل خمسة عشر يوما ابتداء من تاريخ عرض الأمر عليه؛
– والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم، حسب الحالة، بالنسبة للقرارات الإدارية المسلمة من قبل المصالح اللاممركزة للدولة، كالجماعات المحلية والمقاطعات. الذي يُمنح أجل خمسة يوما لتسليم القرار.
– وفيما يتعلق بالقرارات الإدارية المسلمة من طرف الجماعات الترابية أو مجموعاتها أو هيئاتها، يمكن للمرتفق أن يلجأ إلى والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم، حسب الحالة، لطلب إشهاد بالسكوت المعتبر بمثابة موافقة. ويسلم الوالي أو العامل المعني الإشهاد المطلوب بعد مراسلة الرئيس المعني قصد الإدلاء بتوضيحات كتابية حول أسباب امتناعه عن تسليم القرار الإداري، وذلك داخل أجل ال يتعدى 10 أيام ابتداء من تاريخ التوصل.
مبدأ مراعاة التناسب بين موضوع القرار الإداري والوثائق والمستندات والمعلومات المطلوبة للحصول عليه
حيث تتسم بعض المساطر الإدارية بحالة من عدم الفهم لدى المواطنين فيما يخص العلاقة بين بعض الوثائق الواجب الإدلاء بها للحصول على قرار معين وبين طبيعة هذا القرار، تطبيقا لهذا المبدأ الجديد فإن جميع المستندات والوثائق المطلوبة من المرتفقين يجب أن تكون لها علاقة أو مبرر مع موضوع القرار المراد الحصول عليه.
مبدأ التحسين المستمر لجودة الخدمات المقدمة للمرتفقين
حيث لا زالت بعض الإدارات تعتمد على وسائل تقليدية للعمل، وضعف تكوين العنصر البشري في التقنيات الحديثة للتواصل، لذا يجب على الإدارة العمل على تسريع وتيرة الأداء والرفع من فعالية معالجة الطلبات ورقمنة المساطر والإجراءات الإدارية واستخدام التقنيات المبتكرة في مجال نظم المعلومات والتواصل.
اقرأ أيضا: التمويل التعاوني بالمغرب
مبدأ عدم المطالبة بالإدلاء بمستند لأكثر من مرة
إذ تقوم بعض الإدارات بطلب ملف الطلب أو وثيقة منه لأكثر من مرة بعد لضياعها أو من أجل استكمال بحث لدى جهة إدارية أخرى، فتجد أن الحل السهل هو مطالبة المرتفقين بالإدلاء بهذا المستند من جديد، ولوضع حد لذلك، قرَّر المشرع هذا المبدأ الذي بموجبه لا يجوز للإدارة مطالبة المرتفق، سواء عند إيداع الطلب أو خلاله مرحلة معالجته، بالإدلاء بوثيقة أو بمستند أو بمعلومة أو بالقيام بإجراء إداري، أكثر من مرة واحدة.
مبدأ تقريب الإدارة من المرتفق
وذلك بالتواصل مع المرتفق عند إيداع الطلبات واعتماد التقنيات الحديثة للتواصل كالمواقع الإلكترونية لإيداع الطلبات أو عند مطالبة المرتفق بإدلاء بمستند أخر ينقصه بملفه.
مبدأ تعليل الإدارة لقراراتها السلبية
حيث يجب على الإدارة عند رفض طلب قرار إداري أن تقوم بتعليل قرار الرفض بتحديد السبب أو الأسباب التي أدت إلى رفض الطلب، في صلب القرار وإخبار المرتفقين بذلك بكل الوسائل الملائمة.
يُذكر أن هذا المبدأ كان ينص عليه سابقا القانون رقم 03.01 المتعلق إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية والصادر في 12 غشت 2002. يلزم هذا القانون الإدارات العمومية بتعليل قراراتها السلبية تحت طائلة عدم الشرعية وذلك بالكشف عن الأسباب الواقعية والقانونية الداعية لرفض طلب المرتفق.
غير أن هذا القانون استثنى القرارات الإدارية التي يقتضي الأمن الداخلي والخارجي للدولة عدم تعليلها من إلزامية الكشف عن السبب أو الأسباب الداعية لرفض تسليم القرار الإداري.
بإلإضافة إلى كل هذه المبادئ، وضع القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية رهن اشارة المرتفقين طرق طعن من أجل إلغاء قرارات الادارات التي لا تلتزم بهذه المبادئ التي جاء بها القانون.
طرق الطعن ضد القرارات الإدارية السلبية
يجوز للمرتفق، في حالة سكوت الإدارة عن الرد في الأجل المحدد أو ردت بالسلب عن طلبه، أن يقوم، داخل أجل لا يتعدى ثلاثين يوما ابتداء من تاريخ انقضاء الأجل المحدد لتسليم القرار أو من تاريخ تلقي الرد السلبي، بتقديم طعن في القرار سواء أمام السلطة الحكومية المعينة أو الشخص المفوض من قبلها لهذا الغرض، بالنسبة لجميع القرارات الإدارية المسلمة على الصعيد المركزي من قبل الإدارات العمومية. تبت هذه السلطة في الطعن المعروض عليها وتخبر المرتفق بردها داخل أجل أقصاه خمسة عشر يوما ابتداء من تاريخ عرض الأمر عليها. أو أمام المسؤول عن المؤسسة العمومية أو عن الشخص الإعتباري الخاضع للقانون العام أو عن الهيئة المكلفة بمهام المرفق العام المعنيين بالقرارات الإدارية. ويبت هذا المسؤول في الطعن ويخبر المرتفق برده داخل أجل أقصاه خمسة عشر يوما ابتداء من تاريخ عرض الأمر عليه.
اقرأ أيضا: السجل الوطني للسكان والسجل الإجتماعي الموحد
إذا كان القرار المراد الطعن فيه مسلَّما من قبل المصالح اللاممركزة للدولة، كالجماعات المحلية والجهات والعمالات، فإن الطعن يتم أمام والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم، الذي يبت فيه ويخبر المرتفق برده داخل أجل أقصاه خمسة عشر يوما ابتداء من تاريخ عرض الأمر عليه.
وإذا كان الأمر يتعلق بقرار تختص به جماعة ترابية أو مجموعة من الجماعات الترابية، كرخصة البناء مثلا، فإن الطعن يقدم لرئيس الجماعة الترابية أو مجموعة الجماعات الترابية أو هيئة الجماعة الترابية المكلفة بتسليم القرار الإداري موضوع الطلب. ويجب على الرئيس المعني الرد على المرتفق داخل أجل أقصاه خمسة عشر يوما ابتداء من تاريخ عرض الأمر عليه. وفي حالة عدم رده داخل الأجل المذكور، يجوز للمرتفق إحالة الأمر إلى والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم، حسب الحالة، الذي يقوم بمراسلة الرئيس المعني بغرض دعوته للبت في موضوع الطعن المقدم داخل أجل لا يتعدى عشرة أيام من تاريخ التوصل.
يعتبر هذا القانون إطارا جديدا من أجل عصرنة الإدارة المغربية، وتمحيصها من بعض السلوكات الفردية التي تسيء لى سمعتها لدى المرتفقين. في انتظار تنزيله على أرض الواقع لضمان تطبيقه السليم وفق إرادة المشرع المغربي الهادفة الى إعادة الثقة المفقودة بين المرتفقين والإدارات المغربية.